اعْتَادَ بَعْضُ الْعَوَامِّ إِذَا سَمِعُوا عَنِ ارْتِفَاعِ الأَسْعَارِ أَنْ يَقُولُوا "الْغَلاءُ حَرَامٌ" أَوْ "الْغَلاءُ كُفْرٌ"، وَكَلامُهُمْ هَذَا لا يَجُوزُ لأَنَّ الرَّسُولَ صَلى الله عليه وسلم قال: "إِنَّمَا الْبَيْعُ عَنْ تَرَاض" وَقَالَ اللهُ تعالى: "إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ بَيْنَكُمْ" وَثَبَتَ أَنَّ السِّعْرَ ارْتَفَعَ في زَمَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقيلَ لَهُ سَعِّرْ لَنَا يا رَسُولَ اللهِ فَأبى وَقَالَ: "إِنَّ اللهَ هُوَ الْمُسَعِّرُ" مَعْنَاهُ اللهُ هُوَ يُقَلِّبُ أَحْوَالَ السِّعْرِ مِنَ الارْتِفاعِ إلى النُّزُولِ وَالْعَكْسِ عَلَى حَسَبِ مَشِيئَتِهِ،
وَالْحُكْمُ الشَّرْعِيُّ أَنَّ الشَّخْصَ إِذَا اشْتَرَى الْحَلالَ الطَّاهِرَ الْمُنْتَفَعَ بِهِ بِسِعْرٍ وَبَاعَهُ بِأَغْلَى يِجُوزُ لَهُ ذَلِكَ دُونَ غَشٍّ أَوْ كَذِبٍ أَوْ تَدْلِيسٍ مَهْمَا رَفَعَ السِّعْرَ فَالرِّبْحُ في الشَّرْعِ لَيْسَ لَهُ قَدْرٌ مُعَيَّنٌ وَالدَّلِيلُ على ذَلِكَ أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قال "الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ وَالْقَمْحُ بِالْقَمْحِ والتَّمْرُ بِالتَّمْرِ وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ رِبًا إِلا مِثْلاً بِمِثْلٍ يدًا بِيَدٍ سَوَاءً بِسَواءٍ فَإِذَا اخْتَلَفَتِ الأَجْنَاسُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ" الشَّاهِدُ في الْحَديثِ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلامُ "فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُم" حَيْثُ لَمْ يُحَدِّدِ الرَّسُولَ قَدْرَ الرِّبْحِ فَيَجُوزُ للشَّخْصِ أَنْ يَبيعَ بِالرِّبْحِ الَّذي يُرِيدُ.
أَمَّا الاحْتِكَارُ الْمُحَرَّمُ فَمَعْنَاهُ أَنْ يَحْبِسَ الشَّخْصُ الْقُوتَ وَهُوَ مَا يَقُومُ بِهِ الْبَدَنُ وَحْدَهُ كَالْقَمْحِ وَقْتَ الْغَلاءِ وَالْحَاجَةِ لِيَبِيعَهُ بِأغْلى، قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم "لا يَحْتَكِرُ إِلا خَاطئٌ" وَالْخَاطِئُ هُوَ الآثِمُ.
وَلا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ عَمَّنْ يَبيعُ بِثَمَنٍ مُرْتَفِعٍ بِلا غَشٍ وَلا تَدْلِيسٍ إِنَّهُ حَرامي أَوْ إِنَّهُ لِصٌّ أَوْ إِنَّه مُحْتَالٌ أَوْ إِنَّهُ يَذْبَحُ النَّاسَ أَوْ حَرَامٌ عَلَيْهِ أَوْ هَذِهِ سَرِقَةٌ. قَالَ اللهُ تعالى "وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا".
وَيَجِبُ النَّهْيُ عَنْ قَوْلِ بَعْضِ النَّاسِ "الزِّوَاجُ في هَذَا الزَّمَنِ حَرَامٌ" فإِنَّ هَذَا الْكَلامَ خِلافُ الشَّرِيعَةِ، قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم "يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ" وَقَالَ اللهُ تعالى "وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلى اللهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذينَ يَفْتَرُونَ عَلى اللهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُون" وَقَالَ رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم "إِنَّ مُحَرِّمَ الْحَلالِ كَمُسْتَحِلِّ الْحَرَامِ"، فَالْقَاعِدَةُ الشَّرْعِيَّةُ أَنَّ مَنِ اسْتَحَلَّ حَرَامًا مُتَّفَقًا على تَحْرِيْمِهِ اشْتَهَرَ بَيْنَ الْمُسْلِمينَ جُهَّالِهِم وَعُلَمَائِهِمْ تَحْرِيْمُهُ كَالزِّنا واللِّواطِ والسَّرَقَةِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ وأَكْلِ الرِّبا والظُّلْمِ وَالْكَذِبِ فَإِنَّهُ يَكْفُرُ، كَذَلِكَ الَّذي يُحَرِّمُ أَمْرًا حَلالاً عُلِمَ مِنَ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ حِلُّهُ كَالْبَيْعِ والزِّوَاجِ وَأَكْلِ الْحَلالِ وَشُرْبِ الْحلالِ والنَّوْمِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْمُبَاحَاتِ فَإِنَّهُ يَكْفُرُ فَيَدْخُلُ تَحْتَ هَذِهِ الْقَاعِدَةَ مَنْ حَرَّمَ الْبَيْعَ أَوِ الزِّواجَ وَمَنِ اسْتَحَلَّ شُرْبَ الْخَمْرِ أَوْ أَكْلَ الرِّبا.
وَيِجُبُ الْحَذَرُ مِنْ قَوْلِ بَعْضِ النَّاسِ "لا شُكْرَ عَلى وَاجِبٍ" لأَنَّ الإنْسَانَ إِذَا عَمِلَ الْوَاجِبَ يُشْكَرُ عَلى ذَلِكَ وَيُثْنَى عَلَيْهِ لأَنَّهُ أَحْسَنَ، قالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ لَمْ يَشْكُرِ النَّاسَ لَمْ يَشْكُرِ اللهَ" مَعْنَاهُ مَنْ لَمْ يَشْكُرْ مَنْ أَحْسَنَ إِلَيْهِ إِمَّا بِالْمُقَابَلَةَ بِالْمِثْلِ بِأَنْ يُقَابِلَ الْعَطِيَّةَ بِالْعَطِيَّة أَوْ أَنْ يَشْكُرَهُ بِلِسَانِهِ كَأَنْ يَقُولَ لَهُ أَحْسَنَ اللهُ إِلَيْكَ أَوْ جَزَاكَ اللهُ خَيْرًا وَنَحْوَ ذَلِكَ فَلا يَكُونُ كَامِلَ الشُّكْرِ للهِ على مَا أَعْطَاهُ، فَإِنَّ مِنْ كَمَالِ الشُّكْرِ للهِ الإحْسَانَ إِلى مَنْ أَحْسَنَ إِلَيْنَا. والنَّصِيحَةُ دَائِمًا الْعَمَلُ بِهَدْيِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم "مَنْ صَمَتَ نَجَا" ومِنْ ذَلِكَ تَقْليلُ الْكَلامِ إِلا مِنَ الْخَيْرِ.