ammar المدير العام للديوان
عدد الرسائل : 755 العمر : 39 نقاط : 336 تاريخ التسجيل : 24/12/2008
| موضوع: طريق الحق لطالب الحق الخميس مارس 19, 2009 10:32 am | |
| طريق الحق لطالب الحق
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله وأصحابه ومن اتّبع هداه . يقول الله تعالى : ( إن الله يحب التوابين ) . فإذا منَّ الله تعالى بالتوبة على عبده الذي يريد الاستقامةَ والسيرَ والسلوكَ في الحق ، عليه بعد التوبة أن يتَّبع الشريعة المحمدية عليه الصلاة وأفضل السلام ، لأن كل عمل بدون الشريعة مقطوعٌ ، ولو حصل لصاحبه بعض الأمور التي يتعلق بها الناس الذين لم يفهموا حقيقة الشريعة ، كالكشف والكرامات وغير ذلك . فإذا ثبتت معه التوبة والتمسك بالشريعة المحمدية عليه الصلاة وأفضل السلام ، عليه أن يكون قصدُه ومرادُه الحقَّ جل وعلا ؛ وليس معنى هذا الوصولَ إلى الحق ، بل رفع الحجاب بينه وبين الحق . بعض الناس يقولون : حصل القرب . لا ، بل بواسطة الإيمان زال الحجاب عن القرب الذي هو وَصْفُهُ جل وعلا ، لأن القربَ صفةُ الله تعالى والبعدَ صفةُ العبد ؛ فلا يَقرُبُ العبد من الله في أي وقت كان ، لكن يزول حجاب الغفلة عن قلبه فيرى بإيمانه أن ربه قريب منه ، كما قال الله تعالى : ( وإذا سألك عبادي عني فإني قريب ) ، ما قال عبدي قريب بل قال إني قريب . فإذا زال هذا الحجاب عن قلب العبد بإيمانه ، وهو يحاول ظاهراً تطبيقَ الشرع الشريف ، وباطناً التمسكَ بآداب الطريق ، ويذكر الله كثيراً ، ويقرأ القرآن الكريم ويطبِّق الأوصاف التي وصف الله تعالى عباده بها ، حينذاك يكون ظاهرُه بشراً وباطنُه هيكلاً نورانياً مَلَكياً ، وتثبت في قلبه الخشيـة ؛ فإذا حصلت الخشية يظهر الخشـوع على الجـوارح ، ولا يلتفت إلى أي إنسان ، إلا إلى شيخَه ، فإنه يُرجِّحه على نفسه وعلى ماله وعلى مُلكه ، لأنه واسطة بينه وبين الله تعالى وبينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أما غيره فلا يلتفت إلى مدحهم ولا إلى ذمهم ويستوحش منهم جميعاً . وفي هذه الأثناء إذا حصل له بعض الكشوفات أو الكرامات أو الواقعات لا يلتفت إليهـا أصلاً ، لأنه يطلب رضا الله ، لا يعبد الكشف والمنام والواقعات . الذي يطلبه منه خالقه جل وعلا هو العبدية ، وفي ضمن تلك العبديةِ العبوديةُ والتمسكُ بالشريعة ـ كما أسلفنا ـ ، والتمسكُ بالسنَّة النبوية ، والإخلاص في العبادة . وبهذا يتدرَّج ويذهب ، فإذا بدا له شيء من الاعوجاج والانحراف الذي يحصل بالطبيعة البشرية من الملل أو من الكسل يشكو ذلك إلى شيخه ، فإذا قال له شيئاً يتمسك به ويذهب . وبعد هذا تحصل له حلاوة العبادة ، خصوصاً حلاوة معراج المؤمنين ، وهي الصلاة ؛ فإذا جاء وقت المعراج يصلي على وفق الشريعة مع السنن ، ثم ينتظر بروحه وبقلبه المعراج الثاني . وإذا حصلت له محبة العبادة لا يلتفت إلى الناس ؛ فمنهم من يقول : هذا مجنون ، ومنهم من يقول : هذا ترك دنياه . لا يلتفت إليهم لأن الناس أغلبهم مُغمَى عليهم وأكثرهم عُمْيٌ . لذا ! لا تتَّبعِ الناس . كلما تتجنَّب الناس وتستوحش منهم تُحَبَّب إليك العبادة ويُرَقَّق الحجاب بينك وبين ربك بسبب الإيمان ، حتى يَثبت لك قرب الله تعالى : ( وهو معكم أينما كنتم ) . وإذا حصلت لك بعض الكشوفات ـ كما أسلفنا ـ لا تتَّبعها ، وفِرَّ منها كما تَفِرُّ من الأسد . وإذا خَدعَتك نفسُك فقالت لك بصورة المدح : أنت هكذا .. هكذا .. هكذا .. احذر من نصيحتها ، لأن نصيحتها سُمٌّ قـاتل ؛ لا تَنصحُ إلا بما فيه ظُلمةٌ ومُخالَفةٌ لأمر الله جل وعلا. من السالكين من لا تحصل له هذه الأمور ، مع صدقه في قصده ومراده ، فهذا حاله أفضل ، لأنه يبقى سليماً من العجب والكبر والرياء والسمعة والشهرة . ولا يُقال : إني جاهدت نفسي ولم يحصل لي شيء ، لأن ما يحصل من الكشوفات وغيرها ليس أفضل من مجاهدة النفس . هذا هو المقصود من قوله تعالى : ( والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا ) . من خالف هذا وتعلَّق بما يحصل من الصفاء يَبعد عن خالقه . هذا هو طريق الحق لطالب الحق ، لا كما نرى : هذا يركض وراء المشيخة ، وهذا يركض وراء الإمارة ، وهذا يركض وراء قول شيخه له هكذا .. هكذا . فالكل من الله ، ولا يصل للمريد شيء إلا من الله تعالى ، وإلا بواسطة الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم ، وبواسطة الشيخ المربّي الذي َربّاه مرشد مأذون ، وهكذا بالتسلسل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم . فلا يُعطى شيء للمدّعي بدعواه . إني أُحب لعباد الله أن يصلوا إلى الحق على مُراد الحق وطلب الحق ، لا على طلبهم ومُرادهم. مُرادُ الحق من العبدِ العبوديةُ .
| |
|